أنا واللي حواليه

Monday, May 30, 2011

في رثاء أبي

رغم انني كنت طفلة أبي المدللة ..ولكنني كثيرا ما اختلطت علي مشاعري تجاهه في السنوات الأولى من حياتي .. فلم أكن أعلم هل أحبه أم لا.. كثيرا ما سألت نفسي ذلك السؤال ولم أكن أعلم اجابته.. كنت ألومه لعصبيته الزائدة وقسوته الزائدة على أخي الكبير .. كنت أحيانا أخاصمه في صمت و كثيرا ما كنت ألومه على السنوات العصيبة التي مرت في حياة أخي..

في السنوات الأخيرة تغير أبي.. أو تغيرت أنا لا أدري..بدأت أشعر لأول مره في حياتي بحبه العميق لي وأحسست بأني أحبه من كل قلبي.. كنت أقول لإحدى صديقاتي عندما تتململ من عدم زواجها كنت أقول لها أننا مهما بحثنا فلن نجد مثل بيوت آباءنا.. لن تجدي من يحبك بلا قيود ويدللك ويثق فيكي ثقة عمياء.. في هذه الفترة من حياتي بدأت أحس بأن أبي صار جزءا كبيرا من حياتي.. كنا نتجادل على الغداء حول جدوى الثورة ويعلو صوتنا حتى تشكو أمي مننا ولكننا بمجرد أن نغادر الطاولة نذهب لنشاهد التليفزيون سويا وكأننا لم نكن نتجادل منذ قلبل..كنت أحبه وأعلم أنه يحبني ولكننا لم نكن نعبر عن ذلك بالكلام .. كنت أرى ذلك في عينيه.. كنت أرى حبه لي وفرحته بأن ابنته أصبحت "دكتورة" .. كنت أرى ذلك في عينيه كنت أشعر به .. لم أقل له أبدا أنني أحبه ولكني أظن أنه كان يشعر بحبي له أظنه كان يرى حبي له في عيني.. فأنا مثله لا أعبر عن احاسيسي بالكلمات ..

مات أبي.

مات أبي دون أن أقول له كم أحبه.. مات فجأة وبدون سابق انذار.. لم أكن أتخيل أن بعض الكلمات المجازية التي تصف الحزن من الممكن أن تكون حقيقية.. أحسست بغصة في حلقي .. أحسست بها ولم تكن مجرد كلمة مجازية.. أردت بحق أن أبكي بحورا من الدموع .. أردت أن أبكي حتى ينتهي الدمع.. أردت ذلك بحق.. لأول مرة أحس بمعنى الموت.. معنى الفراق.. أحسست بأن داخلي فراغا ..ندمت أنني لم أقل له يوما كم أحبه ووجدت نفسي أعض أناملي ندما فعرفت معنى ان يعض الإنسان أنامل الندم.. كنت أظنها الأخرى كلمة مجازية وليست حقيقة .. كم كنت أكره القهوة وأشربها مضطرة اذا أردت ان أسهر وكنت أتعجب من الناس لماذا يحبون القهوة فهي شديدة المرارة.. وعندما مات أبي كانت المرارة في حلقي أشد من مرارة القهوة.. شربت القهوة فلم أجدها مرة .. أحس بمرارة حلقي ليلا نهارا.. أقوم لأغسل أسناني لعلها تزول ولكنها تأبى أن تزول.. كنت أظن أن تلك الكلمات التي تعبر عن الحزن كلمات مجازية .. ولكنها أصبحت حقيقية أكثر مما ينبغي.. حقيقية لدرجة مؤلمة

في عملي كنت أرى الكثير من الموتى.. وكنت أرى ذويهم وقد فتتهم الم الفراق.. كنت أتعجب.. لماذا هذا الحزن المبالغ فيه فالناس تموت.. نعم هي حقيقة الناس تموت.. ولكنني لم اكن أتخيل أن يأتيني الموت فيخطف مني أبي.. فالناس تموت ولكن ليس أبي.. والد صديقتي يموت ولكن سوف يظل الموت بعيدا عن أبي.. كان أبي مريضا بكثير من الأمراض المزمنة وكان مدخنا شرها .. تلك الأشياء تودي بحياة الناس في سن صغير..أنا أعلم ذلك لأني طبيبة.. ولكن ليس أبي.. فإن أبي لن يتركني سيظل معي.. لمن يتركني ؟؟ أبي لن يموت.. ولكن للأسف مات أبي .. جاء ملك الموت فأخذ روحه في هدوء.. لم يسأله عني ولم يهتم بمشاعري.. أخذه في صمت وذهب.. ذهب وتركني مبعثرة.. قطعا صغيرة مشتتة..

كثيرا ما اتخيله قادما الي مبتسم يريد أن يضمني اليه ولكن أفيق على الحقيقة فأنا لن أراه مره أخرى..

أعلم ان الحزن في بدايته شديد وسوف يقل مع مرور الوقت ويتضاءل ويتضاءل حتى نكاد ألا نشعر به في خضم حياتنا اليومية.. تلك هي طبائع الأمور.. لكنك يا أبي ستظل الى الأبد في قلبي .. ستظل ذلك الرجل الذي أحببته أكثر من أي رجل في الدنيا.. أقسم لك أنك ستكون دائما الرجل الأول في حياتي دائما.. فأنت كما قالت أمي عنك أنت العمر كله

مع السلامة يا أبي.. أحبك من كل قلبي

6 Comments:

Post a Comment

Subscribe to Post Comments [Atom]



<< Home